هام جدا لجميع الاخوة الأعضاء والمشرفين ولعامة المسلمين
علينا أن نتحرى كل حرف نكتبه فإن ما نكتبه إما أن يكون لنا أو يكون علينا
فقد قال الله تعالى :{ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (31)}
وقال تعالى : {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) }
قال بعض العلماء : ضجوا من الصغائر قبل الكبائر . لأن تلك الصغائر هي التي جرتهم إلى الكبائر فاحترزوا من الصغائر جداً .
** وقد مر مالك بن دينار على صبى يلعب بالتراب فقال له : ما بالك تلعب بهذا التراب ؟ فقال : لأنا منه خلقنا وإليه نعود . فقلت : أراك تضحك تارة وتبكى أخرى ؟ قال : نعم إذا ذكرت عذاب ربى بكيت وإذا ذكرت رحمته ضحكت . فقلت : يا ولدى أى ذنب لك حتى تبكى ؟ فقال : يا مالك لا تقل هذا فانى رأيت أمى لا توقد الحطب الكبار إلا ومعه الحطب الصغار .
وهذه حكمة بالغة
أحد السلف يمر على صبية صغار يلعبون، وبينهم طفل صغير يبكي، فيظن الرجل أن هذا الطفل يبكي لأنه ليس له لعبة كما لهم لعب، فقال له : يا بني أتريد أن أشتري لك لعبة ؟ قال : ما لهذا أبكي يا قليل العقل، إنما أبكي لأن هؤلاء يفعلون غير ما خلقوا له، أولم يسمعوا قول الله وهو يوبخ أهل النار : (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ اله إِلاَّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )) ( المؤمنون:115- 116 ) فدهش الرجل من إجابة هذا الطفل الصغير وقال له : يا بني إنك لذو لب لذو عقل، وإن كنت صغيراً فعظني، فقال له الطفل بيتاً واحداً:
فما الدنيا بباقية لحي ... ... وما حيٌ على الدنيا بباق
من كتاب المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية –
وقال تعالى :{ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (
}
فالحساب بالذرة يا إخوتاه وليس بالطن ولا بالقنطار .
فإن العامل يكون بصلاح ظاهره معمورا وقد سقط عن عين الله حتى ما يزن عنده نقيرا
فإذا كان يوم القيامة ظهر للخلائق من أمره ما كان مستورا
وظهرت مخبآت الصدور على صفحات الوجوه رقما مسطورا
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا
ليت شعري ماذا أقول إذا ما وقفت في القيامة مكبلا مأسورا
ثم قدمت للحساب ذليلا وأتيت كتابا مسطرا منشورا
وأتي بالأعمال توزن بالذر فما غادروا هناك نقيرا
وبدا لي من فوق وجهي سوء فعلي محررا مسطورا
ثم نودي علي هذا فلان كان لله عاصيا مستورا
فضحته اليوم الذنوب وحساب محرر تحريرا
وأتى بالسعير أسمع منها تغيظا وزفيرا
ما احتيالي في ذلك الموقف المهول ومن ذا يذود عني السعيرا
ليس لي غير حسن ظني بربي خائفا من عذابه مستجيرا
وتعطف بجبر كسري فقد أصبح قلبي مما جنا مسكورا .
وقال تعالى :{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) }
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ .
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ .
** وعن أسلم أن عمر دخل يوما على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه فقال عمر : مه غفر الله لك . فقال له أبو بكر : إن هذا أوردني شر الموارد .
وفي لفظ للبيهقي قال ( صحيح ) إن هذا أوردني شر الموارد .
** وإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ إِلاَّ وَهُوَ يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ.
** فمن هنا يعلم أن ما ليس بخير من الكلام فالسكوت عنه أفضل من التكلم به اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة ممالا بد منه وقد روي عن ابن مسعود قال : إياكم وفضول الكلام حسب امريء ما بلغ حاجته . وعن النخعي قال : يهلك الناس في فضول المال والكلام .
** وقال محمد بن عجلان إنما الكلام أربعة : أن تذكر الله وتقرأ القرآن وتسأل عن علم فتخبر به أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك .
** وقال رجل لسلمان : أوصني ؟ قال : لا تتكلم . قال : ما يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم . قال : فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت .
** وقال ابن مسعود : والله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض أحق بطول سجن من اللسان .
** وقال وهب بن منبه : أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت .
** وقال شميط بن عجلان : يا بن آدم إنك ما سكت فأنت سالم فإذا تكلمت فخذ حذرك إما لك وإما عليك .
** فليس الكلام مأمورا به على الإطلاق ولا السكوت كذلك بل لا بد من الكلام بالخير والسكوت عن الشر وكان السلف كثيرا يمدحون الصمت عن الشر وعما لا يعني لشدته على النفس وذلك يقع الناس فيه كثيرا فكانوا يعالجون أنفسهم ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم .
** قال الفضيل بن عياض : ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد . وقال : سجن اللسان سجن المؤمن ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في غم شديد .
** وقوله صلى الله عليه و سلم ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه ثم قال كف عليك هذا إلى آخر الحديث هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه وخرجه البزار في مسنده من حديث أَبِي الْيَسَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ، قَالَ : أَمْسِكْ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، هَلْ يُكَبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتُهُمْ.
** والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة .
** وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهي أعظم الذنوب عند الله عز و جل ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ويدخل فيها شهادة الزور التي عدلت الإشراك بالله عز و جل ويدخل فيها السحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر كالكذب والغيبة والنميمة وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها .
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ ؟ قَالَ : الْأَجْوَفَانِ الْفَمُ وَالْفَرْجُ .
** وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ .
** وعن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : (( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ )) .
** وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) .
معنى : (( تَكْفُرُ اللِّسَانَ )) : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ .
** وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ .
** وقال ابن بريدة رأيت ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بلسانه وهو يقول ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وإلا فاعلم أنك ستندم قال : فقيل له يا ابن عباس لم تقول هذا ؟ قال : إنه بلغني أن الإنسان أراه قال : ليس على شيء من جسده أشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا من قال به خيرا أو أملي به خيرا .
** وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لساني .
** وَقَالَ الْحَسَنُ : اللِّسَانُ أَمِيرُ الْبَدَنِ إذَا جَنَى عَلَى الأَعْضَاءِ شَيْئًا جَنَتْ ، وَإِذَا عَفَّ عَفَّتْ .
** وقال يونس بن عبيد : ما رأيت أحدا لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك صالحا في سائر عمله .
وقال يحيى بن أبي كثير : ما صلح منطق رجل إلا عرفت ذلك في سائر عمله ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله .
** وقال ابن المبارك عن فضالة عن يونس بن عبيد رحمهم الله : لا تجد شيئا من البر واحدا يتبعه البر كله غير اللسان فإنك تجد الرجل يصوم النهار ويفطر على حرام ويقوم الليل ويشهد الزور بالنهار وذكر أشياء نحو هذا ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق فيخالف ذلك عمله أبدا .
** وعن حذيفة أنه قيل له : مالك لا تتكلم ؟ قال: إن لساني سبع أتخوف إن تركته يأكلني .
** وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه .
وَقَدْ قَالُوا : الزُّهْدُ فِي فُضُولِ الْكَلَامِ أَفْضَلُ مِنْ الزُّهْدِ فِي غَيْرِهِ .
** قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَنْ عَدَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلامُهُ إلا فِيمَا يَعْنِيهِ .
** قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ ، فَقَالَ : مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ ، كُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لا يَعْنِينِي ، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ .
** وَقَالَ الْحَسَنُ : مِنْ عَلامَةِ إعْرَاضِ اللَّهِ عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لا يَعْنِيهِ .
** وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ : مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ .
** وَقَالَ مَعْرُوفٌ : كَلامُ الْعَبْدِ فِيمَا لا يَعْنِيهِ خِذْلانٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
** وَمَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمَانَ الْحَكِيمِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَلَسْت عَبْدَ بَنِي فُلانٍ ؟ قَالَ بَلَى ، قَالَ الَّذِي كُنْت تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ بَلَى ، قَالَ فَمَا بَلَغَ بِك مَا أَرَى ؟ قَالَ صِدْقُ الْحَدِيثِ ،
وَطُولُ السُّكُوتِ عَمَّا لا يَعْنِينِي .
** وَقَدْ قَالَ النَّخَعِيُّ : يَهْلِكُ النَّاسُ فِي فُضُولِ الْكَلامِ وَالْمَالِ .
** وَقَالَ عُمَرُ : مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ .
** وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ قَوْلِ لُقْمَانَ لابْنِهِ : إنْ كَانَ الْكَلامُ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ الصَّمْتَ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ : لَوْ كَانَ الْكَلامُ بِطَاعَةِ اللَّهِ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ الصَّمْتَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ ذَهَبٍ .
وهذا يرجع إلى أن الكف عن المعاصي أفضل من عمل الطاعات .
** وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ : لِمَ لَزِمَتْ السُّكُوتَ ؟ قَالَ : إنِّي لَمْ أَنْدَمْ عَلَى السُّكُوتِ قَطُّ ، وَقَدْ نَدِمْت عَلَى الْكَلامِ مِرَارًا .
** وَفِيمَا قِيلَ : جَرْحُ اللِّسَانِ كَجَرْحِ الْيَدِ .
** وَقِيلَ : اللِّسَانُ كَلْبٌ عَقُورٌ ، إنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ أَنْشَدَ بِلِسَانِهِ :
يَمُوتُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ مِنْ لِسَانِهِ وَلَيْسَ يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ
فَعَثْرَتُهُ مِنْ فِيهِ تَرْمِي بِرَأْسِهِ وَعَثْرَتُهُ بِالرِّجْلِ تَبْرَى عَلَى مَهْلِ
وَمِمَّا قِيلَ :
قَدْ أَفْلَحَ السَّاكِتُ الصَّمُوتُ كَلامُهُ قَدْ يُعَدُّ قُوتُ
مَا كُلُّ نُطْقٍ لَهُ جَوَابٌ جَوَابُ مَا تَكْرَهُ السُّكُوتُ
وَأَعْجَبُ الأَمْرِ مِنْ ظَلُومٍ مُسْتَيْقِنٍ أَنَّهُ يَمُوتْ
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ :
عَجِبْتُ لإِدْلالِ الْغَبِيِّ بِنَفْسِهِ وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بِالْعِلْمِ أَعْلَمَا
وَفِي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْغَبِيِّ وَإِنَّمَا صَحِيفَةُ لُبِّ الْمَرْءِ أَنْ يَتَكَلَّمَا
** وَفِي خَبَرٍ مَأْثُورٍ : الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي ثَلاثٍ : السُّكُوتِ وَالْكَلامِ وَالنَّظَرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ سُكُوتُهُ فِكْرَةً ، وَكَلامُهُ حِكْمَةً ، وَنَظَرُهُ عِبْرَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فالمرء بأصغريه : قلبه ولسانه .
وقال الشاعر :
احفظ لسانك ايها الانسان لا يلدغنك انه ثعبان
كم في المقابر من صريع لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
** ولما طلب من لقمان أو غيره أطيب ما في الحيوان أتى بقلبه ولسانه ثم طلب منه أخبث ما فيه فأتى بهما فقيل له في ذلك فقال : هما أطيبا الحيوان إذا طابا وأخبثه إذا خبيثا والله تعالى الموفق .
** هَلْ الْكَلامُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ أَمْ الْعَكْسُ ؟
الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْكَلامَ أَفْضَلُ لأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْلِيَةِ ، وَالسُّكُوتُ مِنْ التَّخْلِيَةِ ، وَالتَّحْلِيَةُ أَفْضَلُ ، وَلأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حَصَلَ لَهُ مَا حَصَلَ لِلسَّاكِتِ وَزِيَادَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ غَايَةَ مَا يَحْصُلُ لِلسَّاكِتِ السَّلامَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْخَيْرِ مَعَ ثَوَابِ الْخَيْرِ .
** قَالَ الإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : تَذَاكَرُوا عِنْدَ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَيُّمَا أَفْضَلُ الصَّمْتُ أَوْ النُّطْقُ ؟ فَقَالَ قَوْمٌ الصَّمْتُ أَفْضَلُ ، فَقَالَ الأَحْنَفُ النُّطْقُ أَفْضَلُ ، لأَنَّ فَضْلَ الصَّمْتِ لا يَعْدُو صَاحِبَهُ ، وَالْمَنْطِقُ الْحَسَنُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ .
** وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه : الصَّامِتُ عَلَى عِلْمٍ كَالْمُتَكَلِّمِ عَلَى عِلْمٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : إنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى عِلْمٍ ، أَفْضَلَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَالا ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلنَّاسِ وَهَذَا صَمْتُهُ لِنَفْسِهِ .
قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَيْفَ بِفِتْنَةِ الْمَنْطِقِ ؟ فَبَكَى عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ بُكَاءً شَدِيدًا .
** قَالَ الْحَافِظُ : وَلَقَدْ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا ، فَقَطَعَ خُطْبَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ لَوْ أَتْمَمْت كَلامَك رَجَوْنَا أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : إنَّ الْقَوْلَ فِتْنَةٌ ، وَالْفِعْلُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِ مِنْ الْقَوْلِ .
** وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَكَانَ أَحَدَ الْحُكَمَاءِ يَقُولُ : إذَا كَانَ الْمَرْءُ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسٍ فَأَعْجَبَهُ الْحَدِيثُ فَلْيَسْكُتْ ، وَإِذَا كَانَ سَاكِتًا فَأَعْجَبَهُ السُّكُوتُ فَلْيُحَدِّثْ .
قَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا حَسَنٌ ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ سُكُوتُهُ وَحَدِيثُهُ بِمُخَالَفَةِ هَوَاهُ وَإِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ . وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَدِيرًا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ وَتَسْدِيدِهِ فِي نُطْقِهِ وَسُكُوتِهِ ، لأَنَّ كَلامَهُ وَسُكُوتَهُ يَكُونُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
** قال لقمان لابنه : " من لا يملك لسانه يندم ومن يكثر المراء يشتم " .
قال القائل
( الخط يبقى زمانا بعد كاتبه ** ولا محالة ان الخط ينطمس )
( الدار تبقى زمانا بعد ساكنها ** ولا محالة أن الدار تندرس )
وقال غيره
( أموت ويبقى كل ما قد كتبته ** فياليت من يقرأ كتابي دعا ليا )
( لعل إلهي يعفو عني بفضله ** ويغفر زلاتي وسوء فعاليا )
وقال غيره
( وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه )
( فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه )
شعب الإيمان - البيهقي - (4 / 270)
** وعن أبي بكر بن عياش قال : اجتمعت أربعة ملوك ملك الروم وملك فارس وملك الصين وملك الهند فتكلموا بأربع كلمات كأنهمم رموها عن قوس واحد
الآداب الشرعية - (1 / 46)
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ عَجِبْتُ مِنْ اتِّفَاقِ الْمُلُوكِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهِمْ عَلَى كَلِمَةٍ .
قَالَ كِسْرَى : إذَا قُلْتُ نَدِمْتُ وَإِذَا لَمْ أَقُلْ لَمْ أَنْدَمْ . ( أنا لم أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت كثيرا .)
وَقَالَ قَيْصَرُ : أَنَا عَلَى رَدِّ مَا لَمْ أَقُلْ أَقْدَرُ مِنِّي عَلَى رَدِّ مَا قُلْتُ . ( أنا على ما لم أقل أقدر مني على ما قلت.)
وَقَالَ مَلِكُ الْهِنْدِ : عَجِبْتُ لِمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ إنْ هِيَ رُفِعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ ضَرَّتْهُ ، وَإِنْ هِيَ لَمْ تُرْفَعْ لَمْ تَنْفَعْهُ .
وَقَالَ مَلِكُ الصِّينِ : إنْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مَلَكَتْنِي وَإِنْ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهَا مَلَكْتُهَا . عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن وقفت عليه ضرته وإن تجاوزته لم تنفعه .
إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي - (4 / 181)
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام وكان يشير إلى لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد .
وقال طاوس لساني سبع إن أرسلته أكلني
وقال وهب بن منبه في حكمة آل داود حق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه .
وقال الحسن ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه .
وقال الأوزاعي كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله أما بعد فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه .
وقال بعضهم الصمت يجمع للرجل فضيلتين السلامة في دينه والفهم عن صاحبه .
وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم .
وقال يونس بن عبيد ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.
وقال الحسن تكلم قوم عند معاوية رحمه الله والأحنف بن قيس ساكت فقال له مالك يا أبا بحر لا تتكلم فقال له أخشى الله إن كذبت وأخشاك إن صدقت .
أدب المجالسة - (1 / 78)
وأنشد الخشني شعرا
لسان الفتى سبع عليه مراقب ... فإن لم يدع مرغوبه فهو آكله
أدب المجالسة - (1 / 79)
وقال آخر
القول لا تملكه إذا نما ... كالسهم لا يرجعه رام رمى
قال هبيرة بن أبي وهب
وإن مقال المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
وقال أبو العتاهية
من لزم الصمت نجا ... من قال بالخير غنم
أدب المجالسة - (1 / 81)
كان يقال ك
العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت وجزء في الهرب من الناس
أدب المجالسة - (1 / 86)
قال الأصبحي
من كثر كلامه كثرت خطاياه
وقال أبو الدرداء
من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه
وقال مالك بن دينار
لو كانت الصحف من عندنا لأقللنا الكلام
أدب المجالسة - (1 / 87)
لما خرج يونس من بطن الحوت أطال الصمت فقيل له ألا تتلكم فقال الكلام صيرني في بطن الحوت
قال عمر بن عبد العزيز
الفقه الأكبر القناعة وكف اللسان
وسئل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان فقال
تلك دماء كف الله عنها يدي ... فأنا أكره أن اغمس فيها لساني
قال يزيد بن أبي حبيب
المتكلم ينتظر الفتنة والمتصنت ينتظر الرحمة
تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك - (1 / 19)
إلزم الصمت فإنه يكسبك صفو المحبة ويؤمنك سوء المغبة ويلبسك ثوب الوقار ويكفيك مؤونة الاعتذار .
عيون الأخبار - (1 / 203)
وقال بعضهم: لا يجترئ على الكلام إلا فَائِقٌ أو مَائِق.
عيون الأخبار - (1 / 203)
لأبي الدرداء في إنصاف الأذن من الفم قال أبو الدرداء: أنْصِفْ أذُنَيْكَ مِن فِيكَ، فإنما جُعُلَ لك أذُنَانِ اثنتان، وفَمٌ واحدٌ لتَسْمَعَ أكثرَ مما تقول.
عيون الأخبار - (1 / 203)
لقشيري في حظ الأذن واللسان حَضَر قشيري مجلساً من مجالس العرب فأطال الصمتَ، فقال له بعضهم: بحق سُميتم خُرْسَ العرب. فقال القُشَيْرِيّ: يا أخي، إنّ حظّ الرجل في أذُنه لنفسه، وحظَّه في لسانه لغيره.
التمثيل والمحاضرة - (1 / 88)
الصمتٌ حكمٌ وقليلٌ فاعله ... يسعد بالقول ويشقى قائله .
المحاسن والمساوئ - (1 / 173)
وقال بعض الحكماء: من قدر أن يقول فيحسن قادر أن يصمت فيحسن، وليس كل من صمت فأحسن قادر أن يقول فيحسن.
وقال أبو عبيد الله كاتب المهدي: كن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام.
ربيع الأبرار - (1 / 124)
عمرو بن العاص: الكلام كالدواء أن أقللت منه نفع، وأن أكثرت منه قتل.
لقمان: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فأفتخر أنت بحسن صمتك.
غرر الخصائص الواضحة - (1 / 95)
وقالوا لسانك كالسبع إن عقلته حرسك وإن أرسلته افترسك ويقال اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك وانفق منه بقدر وكن منه على حذر فإن انفاق ألف درهم في غير وجهها أيسر من اطلاق كلمة في غير حقها
فالحذر الحذر أحبتى فى الله مما نكتب ومما نتكلم
فلخطورة اللسان جعل الله له بوابتان فالأولى هى الأسنان والثانية هى الشفتان
** قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ .
قلت محمود :
لا تطلقن له العنان فتحزن وأحكم حبال قيوده كى تسلم
كم من صريع باللسان تكلم ونجا حكيم باللسان تحكم
أخوكم ومحبكم فى الله
طالب العفو الربانى
محمود بن محمدى العجوانى